أدوار أخرى مهمة للسياحة
أدوار أخرى مهمة للسياحة
تطورت السياحة في العصر الحديث تطورا كبيرا، ولاقت رواجا اكثر من أي صناعة أخرى، فقبل ثلاثة عقود لم تكن جدواها ودورها واضحين لعدم توفر الشروط الموضوعية لتطورها آنذاك، وقد تغيرت الصورة الى حد كبير في هذه الأيام، بفضل التطور التقنى، وتوظيف الاسثتمارات الهائلة في المشروعات السياحية من منطلق أن الاستثمار السياحي يتصدر قائمة الاستثمارات المفضلة لدى المستثمرين ومؤسسات التمويل، ومن ثم نمت السياحة على نحو متسارع، خاصة بعد تحرير تبادل النقد الاجنبي وإلغاء قيود السفر. كما أخذت السياحة مكانة وأهمية في سلوك الناس وانماطهم الحياتية، خاصة في البلدان المتطورة إقتصاديا، والتي أصبحت السياحة فيها الحاجة الرابعة بعد المأكل والمشرب والمسكن. أما في البلدان النامية، فقد صارت السياحة أحد مدخلات التنمية، حيث صار إنفاذ المشروعات التنموية مرتبطا بوجود وتوفير الخدمات السياحية التي يحتاج اليها المستثمرون والمهندسون، والفنيون، والخبراء الذي سيقومون بتنفيذ مشاريع التنمية، وهذا يشمل خدمات النقل السياحي، ومنشآت الايواء، والمحلات العامة، ومكاتب تنظيم السفر، وغيرها.
* يعتقد كثير من الناس أن دور السياحة قاصر على الجانب الاقتصادي، وما تحققه من عملات صعبة تدعم الاقتصاد الوطني مما جعل كثيرا من بلدان العالم تعتمد على السياحة إعتمادا تاما كمصدر رئيس لاقتصادها القومي... فالسياحة خلاف الجانب الاقتصادي تؤدي عدة أدوار أخرى في غاية الأهمية وتقتضي الضرورة توضيحها من أجل استكمال الصورة، وتبيان كل الأدوار التي تقوم بها هذه الصناعة المهمة والواعدة التي جعلت كل دول العالم تتسابق وتتنافس من أجل تنميتها وتطويرها وإزدهارها. وفيما يلي إضاءات موجزة حول الادوار الأخرى غير الاقتصادية التي تقوم بها السياحة:
أولا: إجتماعيا، يحمل المد السياحي وانتقال السياح من مختلف الأجناس والأعمار، في بلدان كوكبهم الأرض بذور التغير الاجتماعي الشامل من تقارب في العادات والأفكار وتهذيب وصقل أساليب التعامل والسلوك وأنماط الاستهلاك والانتاج، وإيجاد روح التسامح وحب الآخرين، فهي تنمية اجتماعية تساهم في الحد من الفقر وتحقيق التوافق الاجتماعي، واداة فعالة في محاربة البطالة، وتحسين الاوضاع الاجتماعية بصورة عامة.
ثانيا: ثقافيا، السياحة تشكل تواصلا ثقافيا ملموسا وتوجِد أفضل العلاقات مع الشعوب الأخرى من خلال الاطلاع على الحضارات، والثقافات، وتيسير تبادل المعارف والأفكار الوطنية، واستجلاء الصور الصادقة عن حياة الشعوب، العادات، التقاليد، الفنون الشعبية، الصناعات اليدوية، المأكولات، المشروبات، الأزياء، الألعاب الشعبية، وغيرها التي تمثل في مجملها التراث الشعبي للبلد المضيف.
ثالثا: إعلاميا، تمثل السياحة بعدا إعلاميا من خلال زيارة جمهور السياح للبلد المستقبل، والتعرف على إمكاناته وموارده، ومستوى التطور والازدهار الذي بلغه، باعتباره اداة نقية صادقة ومؤثرة في توجيه وتوعية الرأي العام، وتوصيل الحقائق والمعلومات السليمة عن البلد المضيف، وذلك من خلال التجربة المباشرة والمشاهدة الواقعية لحياة الشعوب، والتعرف على المشاكل والقضايا الانسانية الى جانب دور السياحة الكبير في محو الانطباع الخاطئ والمشوه الذي تروج له البلدان المعادية، والرد على الدعاية المضادة وإزالة الأفكار الخاطئة عن البلد المضيف.
رابعا: تربويا، تغرس السياحة في النفوس مشاعر الولاء والانتماء للوطن من خلال تنمية السياحة الداخلية التي تعمل على تعزيز الوحدة الوطنية، وإلمام المواطنين بامكانات وموارد بلدهم، وتحقيق التواصل الانساني بين السكان، كما تربى الاجيال على حب الطبيعة الجميلة، والاعتزاز بالبيئة النقية، والحفاظ عليها من التلوث، كما تحفز الأفراد والجماعات الى التمسك والدفاع عن حقوقهم في حرية السفر والانتقال، والاستمتاع بأوقات الفراغ، والعيش في عالم تسوده المودة والديمقراطية والسلام للناس أجمعين.
خامسا: صحيا، تلعب السياحة دورا مهما في علاج كثير من الأمراض العصبية والنفسية من خلال الاقامة لفترات في المصايف والمشاتي والمنتجعات والمخيمات والقرى السياحية التي تقام على شواطئ الأنهار، أو بالقرب من البحيرات والشلالات، أو على الجزر والمواقع الفريدة كالغابات والجبال والصحاري وغيرها، كما تساهم السياحة في علاج بعض أمراض الروماتيزم والحساسية من خلال التردد على مناطق العلاج الطبيعى مثل ينابيع المياه الكبريتية والرمال المالحة.
سادسا: سياسيا، السياحة جسر للتواصل الانساني بين الشعوب، وعنصر أساسي من حرية الانسان، ونموذج دولي جديد للتفاهم بين سكان العالم وحضاراتهم، وتحقيق الفهم المتبادل، وإذابة الفوارق، وإحلال التفاهم والصداقة بين الشعوب مما يساهم في تحقيق وتعزيز السلام المحلي والاقليمى والعالمي وقد لعبت المجموعات السياحية، والبعثات الفنية، والرياضية والثقافية، دورا كبيرا في تحسين العلاقات بين بلدانهم والدولة المستقبلية.
خاتمة:
تشير الدراسات والأبحاث السياحية التي صدرت في الآونة الأخيرة ايضا، الى أن السياحة تقوم بدور إضافي مهم وهو زيادة الانتاج في المصانع والمزارع، وغيرها مما جعل أصحاب العمل في بعض البلدان المتطورة يقومون بتنظيم ودعم وتشجيع رحلات العاملين للمناطق السياحية مما جعلهم يعودون لأعمالهم اكثر نشاطا وحيوية، وبالتالي تزداد انتاجيتهم في المصانع والمزارع والمنشآت والمؤسسات التي يعملون بها، والله الموفق.
عثمان إبراهيم محمد- خبير سياحي
عضو الاتحاد العربي للكتاب السياحيين